هلال شوال 2025

 

رؤية هلال شوال بعد غروب شمس يوم السبت 29 اذار/مارس: التحديات والحلول 

عمار السكجي، فيزياء نظرية وفلكية


ان المعطيات الفلكية لهلال شوال 1446 هـ وهي محل اتفاق عند معظم المؤسسات والمراكز الفلكية العربية والعالمية، مثلا في العاصمة الأردنية عمان، يحدث الاقتران المركزي (المحاق) الساعة 1:58 من بعد ظهر يوم السبت 29 آذار/مارس 2025، وتكون زاوية ارتفاع الهلال فوق الأفق لحظة غروب الشمس 1.4 درجة، والزاوية بين القمر والشمس (الاستطالة) 2.2 درجة، ويمكث 10 دقائق فوق الافق، وعمره  4 ساعات و 56 دقيقة، ودرجة الإضاءة 0.1%، ويكون فوق الأفق في كل المدن والعواصم العربية، مثلا في القاهرة يمكث فوق الأفق 11 دقيقة، وفي القدس 10 دقائق  وفي مكة المكرمة 7 دقائق، ومراكش 18 دقيقة.

ان الحسابات الفلكية الدقيقة تؤكد ان الهلال قد تولد وموجود فوق الأفق بعد غروب الشمس يوم السبت 29 اذار/ مارس في معظم العالم الإسلامي، لكن من "غير الممكن" رؤية هذا الهلال من الأردن والعالم الإسلامي حسب جميع معايير رؤية الاهلة القديمة والحديثة.

ونستعين بقواعد البيانات التراكمية للمشروع الإسلامي لرصد الاهلة والذي خرج من رحم الجمعية الفلكية الأردنية في تسعينيات القرن المنصرم ثم توسع المشروع وأصبح مشروعا عالميا مستقلا حيث طوره المهندس محمد عودة من خلال مركز الفلك الدولي وجهوده في عمل الدراسات الإحصائية الرصدية، وكذلك المؤتمرات الفلكية العربية والاسلامية المختلفة التي درست المعايير بشكل مستفيض، وتتوج ب"معيار عودة" وهو من أحدث وادق المعايير الموجودة لحساب احتماليات إمكانية رؤية الاهلة على المستوى العالمي.

إن تحليل النتائج النظرية لهلال شهر شوال يوم السبت 29 آذار/ مارس، ومقارنتها بقواعد البيانات الموثقة في المشروع الإسلامي لرصد الأهلّة والتي يزيد عددها عن 3000  رصد موثق في قواعد بيانات المشروع، يبيّن أن رؤية الهلال بعد غروب شمس يوم 29 آذار/ مارس "غير ممكنة" في الأردن والعالم الاسلامي، سواء بالعين المجردة أو بالأجهزة الفلكية البصرية (مثل المنظار أو التلسكوب)، ومن جانب آخر وحسب معيار عودة والمبني على 737 رصداً موثقاً، وأيّدته مئات الأرصاد العالمية اللاحقة، فإنّ رؤية الهلال غير ممكنة في الأردن والدول المحيطة بل وكامل العالم الإسلامي بعد غروب شمس يوم السبت 29 آذار/ مارس 2025، سواء بالعين المجردة أو بالتلسكوب.

ان معطيات هلال شوال بعد غروب شمس السبت 29 اذار/ مارس  لا يمكن رؤيته بالعين المجردة او بالتلسكوبات حسب قواعد البيانات التراكمية وجميع المعايير القديمة والحديثة من معيار البابليين ومعيار البتاني ومعيار الياس ومعيار شيفر ومعيار دانجون ومعيار يالوب ومعيار علاوي ومعيار عودة، اما "القيم القصوى" المدونة في المشروع الإسلامي لرصد الاهلة فهي، أقل مكث لهلال تمت رؤيته بالعين المجردة كان 29 دقيقة ، أما أقل عمر هلال تمت رؤيته بالعين المجردة فكان 15 ساعة و33 دقيقة واقل استطالة بالعين المجردة  (بعد الهلال عن الشمس) كانت 7.6 درجة، اما بالنسبة للرصد باستخدام التلسكوبات فاقل مكث كان  20 دقيقة  واقل عمر 17 ساعة   واقل استطالة كانت 6.0 درجة.

إن المحددات لرصد هذا الهلال، بارتفاعه المنخفض وقربه من الشمس وإضاءته شبه المعدومة، بالإضافة إلى الخلفية الإشعاعية الشمسية، ومكثه وعمره القليلين تزيد من صعوبة رصد هذا الهلال بالعين المجردة او التلسكوبات بأنواعها المختلفة (تعذر الرؤية) :

رصد الهلال الخافت: التحديات والحلول

رصد هلال صغير خافت بزاوية ارتفاع 1.4 درجة، وبُعد زاوي 2.2 درجة عن الشمس، مع فترة رصد أقل من 10 دقائق، وعمر لا يتجاوز 5 ساعات، وإضاءة أقل من 0.1%، يُعد تحدياً استثنائياً في علم الفلك الحديث، تُشكل هذه الظروف صعوبات كبيرة بسبب قرب الهلال من الشمس، وخفتها الشديدة، ونافذة الرصد القصيرة، ومع ذلك، باستخدام التلسكوبات الأرضية الكبيرة، والتلسكوبات الفضائية، وأدوات متخصصة مثل تلسكوب شبيه ب"سوهو" (مرصد الشمس والغلاف الشمسي)، يمكن لعلماء الفلك التغلب على هذه التحديات وتصوير هذه الظاهرة النادرة.

ان التلسكوبات الأرضية تواجه تحدي في رصد الاهلة المنخفضة جدا في الأفق، لأسباب عديدة، منها:

1.        التشويش والتشوهات الجوية (للرؤية الضعيفة والخافتة)

·       زيادة الكتلة الجوية: عند الارتفاع المنخفض جدا للهلال، سيمر الضوء القادم من الهلال عبر طبقة جوية أكثر كثافة مقارنةً بجسم أعلى في السماء، هذا يزيد من الكتلة الجوية مما يسبب تشويشًا وضبابية للضوء، كلما مر الضوء عبر جو أكثر كثافة، زادت التشويشات والانكسارات، مما يجعل من الصعب تمييز جسم خافت جدًا مثل الهلال ذو الإضاءة الضعيفة والخافتة جدا.

·       التقلبات الجوية: الهواء المضطرب قرب الأفق يؤدي إلى اهتزاز أو عدم استقرار الصورة، وهو ما يعد مشكلة خاصة للأجرام الخافتة مثل الهلال المنخفض.

2.        التشتت والامتصاص الضوئي

·       تشتت رايلي: الضوء الأزرق المنتشر سيجعل الهلال الخافت يبدو أكثر خفوتًا، مما يؤدي إلى تشويه لونه، مما يجعل من الصعب تمييزه عن السماء المضيئة، ويسبب الفرق في التباين هذا التشتت ويجعل من الصعب رؤية الهلال، خاصة مع إضاءته المنخفضة جدًا التي لا تتجاوز 0.1%.

·       الامتصاص في الارتفاعات المنخفضة: الطبقة الجوية الكثيفة قرب الأفق تمتص المزيد من الضوء، خصوصًا الأطوال الموجية القصيرة، مما يؤدي إلى تعتيم الضوء القادم من الهلال، ويجعل من الصعب اكتشافه.

3.        ظاهرة الانكسار

·       الانكسار بالقرب من الأفق: الضوء القادم من الهلال سيخضع للانكسار، مما يتسبب في أن يظهر الهلال أعلى من موقعه الفعلي، هذا قد يؤدي إلى انحراف الموقع الذي ينبغي أن يكون فيه الهلال، مما قد يؤدي إلى فقدان الهدف تمامًا في عملية الرصد، مثل هذا الانحراف يمثل مشكلة خاصة عندما يكون الجسم خافتًا جدًا ويكون فترة اكتشافه ضيقة جدًا، مثل الهلال القمري ذو الإضاءة المنخفضة جدًا.

·       تشويه الشكل: بسبب الانكسار الجوي، قد يظهر الهلال القمري بشكل ممتد أو مشوه، مما يزيد من صعوبة التمييز بينه وبين السماء المحيطة.

4.        التباين المنخفض

·       السماء المضيئة عند الغروب: السماء قرب الأفق ستكون أكثر سطوعًا بسبب الضوء الناجم عن الشفق، مما يجعل من الصعب جدًا تمييز الهلال، مع الإضاءة المنخفضة (أقل من 0.1%)، سيكون الهلال في تباين منخفض للغاية مع السماء المضيئة، هذا سيتسبب في تداخل الضوء وجعل من الصعب جدًا تمييز الهلال.

·       سطوع السماء: إذا كان الرصد يحدث قرب غروب الشمس، سيكون ضوء الهلال ضعيفًا جدًا وسيتم ذوبانه ضوئيا بسبب السماء المضيئة حوله. سيكون من الصعب جدًا اكتشاف الهلال بهذا القدر من التعتيم.

5.   شفافية السماء

·       الرطوبة وبخار الماء: الأجواء قرب الأفق تحتوي عادة على محتوى أعلى من الرطوبة وبخار الماء، خصوصًا أثناء المساء المبكر وهذا يقلل من شفافية السماء ويؤدي إلى إضعاف الضوء الذي يأتي من الهلال.

·       السحب: الرصد قرب الأفق تزيد من احتمال تعرض التلسكوب إلى ظروف الطقس المحلية مثل السحب أو الضباب أو الضباب الرقيق، التي قد تحجب الرؤية تمامًا.

6.        الآثار الحرارية

الاضطرابات الحرارية: الهواء قرب الأرض عادة ما يتعرض لــ تدرجات حرارية، حيث يسبب الهواء الساخن بالقرب من السطح تشوهات في صورة الهلال بسبب التشويش الحراري، مما يؤدي إلى صورة غير واضحة.

7.        الطقس والاحوال الجوية وفصل الشتاء

·       الرياح: الرياح قرب الأفق قد تتسبب في عدم استقرار جوي، مما يجعل من الصعب جدًا رؤية الهلال الخافت.

·       الضباب والندى: في العديد من المواقع، قد يتسبب الاختلاف في درجات الحرارة قرب الأفق في تشكل الضباب أو الندى، مما قد يحجب عدسات التلسكوب أو يؤدي إلى تبخرها، وبالتالي تدهور جودة الصورة.

·       انتشار الغيوم وخاصة في فصل الشتاء


اما التلسكوبات الأرضية العملاقة رغم ان معظمها خارج المنطقة العربية (موضوع فرق التوقيت) تواجه تحدي اخر في رصد الاهلة المنخفضة جدا في الأفق، لأسباب التي ذكرت في الأعلى بالإضافة الى قيود التتبع والتوجيه للتلسكوبات الأرضية العملاقة:

·       دقة التتبع: عند الارتفاع المنخفض للهلال، سيحتاج نظام التتبع في التلسكوب إلى إجراء تعديلات دقيقة للبقاء على الهدف، التلسكوبات الأرضية العملاقة عادة ما تكون مصممة لمتابعة الأجرام السماوية على ارتفاعات أعلى، ويمكن أن تكون دقة التتبع أقل فعالية عند الزوايا المنخفضة، خاصة عندما يكون الجسم خافتًا جدًا، التحدي أكبر عندما يكون الهلال ذو إضاءة منخفضة وفترة رصده ضيقة للغاية.

·       العوائق الميكانيكية: التلسكوبات الكبيرة التي تم تركيبها في أماكن ثابتة قد تواجه عواقب في قدرتها على تتبع الأجرام السماوية على ارتفاعات منخفضة. قد تمنع الهيكلية للتلسكوب رؤية الهلال تمامًا.

 

التلسكوبات الفضائية

عند دراسة التلسكوبات الفضائية مثل تلسكوب هابل الفضائي (HST)، تلسكوب جيمس ويب الفضائي (JWST)، وتلسكوب فضائي شبيه في المرصد الشمسي لناسا وكالة الفضاء الأوروبية (SOHO)  نجد انها بشكل عام غير مصممة لرصد الاهلة لكن هناك محددات أخرى قد تعيق من رصد هلال خافت، تتمتع هذه التلسكوبات بحساسية ودقة عالية تمكنها من اكتشاف الإضاءة الخافتة والبنية الدقيقة للهلال، ومع ذلك، فإن توجيه التلسكوبات الفضائية بالقرب من الشمس يُعد أمراً محفوفاً بالمخاطر، حيث يمكن أن تتلف أدواتها الحساسة بسبب شدة ضوء الشمس، لذا، يتطلب الأمر تخطيطاً دقيقاً ودرعاً واقياً لضمان عمليات رصد آمنة.

 

تلسكوب هابل الفضائي (HST)

          يعمل تلسكوب هابل خارج الغلاف الجوي للأرض، مما يقضي على التشويش الجوي، ومع ذلك، فإن مجال رؤيته (3.4 دقيقة قوسية) والقيود التشغيلية تحد من قدرته على استهداف القمر أثناء مراحل الهلال في ضوء القرب من الشمس.

          الحساسات البصرية في هابل ليست مُعدة لرصد الهلال في ظروف الإضاءة المنخفضة للغاية، وخاصة بالقرب من وهج الشمس.

          تلسكوب هابل ليس مجهز لرصد اجسام قريبة من الشمس، بسبب السطوع الشديد و اضرار الحرارة و بروتوكولات السلامة التشغيلية والقيود التي تمنعه من الدوران باتجاه الشمس.

 تلسكوب جيمس ويب الفضائي (JWST)

          تسمح قدرات جيمس ويب بالأشعة تحت الحمراء بالكشف عن الأجرام الخافتة، وليس الاشعة القادمة من الشمس.

          تشير النمذجة النظرية إلى أن جيمس ويب قد يتمكن من اكتشاف الهلال في الظروف الحالية لهلال شوال، إذا تم وضعه في الموضع المناسب، ولكن يفتقر إلى المرونة التشغيلية لمراقبة الأجرام القريبة من الأرض، لكن هناك خطورة تلف الاجهزة وخاصة مجسات الكاميرا بسبب الحرارة والاشعاع الشديدين.

          قد يسمح دقة جيمس ويب في الأشعة تحت الحمراء المتوسطة باكتشاف التباين في درجة حرارة القمر، (بصمة حرارية) ولكن هذا لا يعني رؤية بصرية!!    

مرصد شبيه (SOHO)ب  الفضائي على L2

يُعتبر تلسكوب "سوهو"، المصمم لدراسة الشمس ومحيطها، أداة فريدة مناسبة لرصد الأجسام القريبة جداً من الشمس، تستخدم أجهزة الكوروناغراف في سوهو لحجب الضوء المباشر للشمس، ويفضل ان يكون التلسكوب في نقطة لاجرانج 2 ، مما يكشف عن الأجسام الخافتة مثل الهلال الخافت، تجعل قدرة على العمل في البيئة القاسية بالقرب من الشمس.


مسبار الاستطلاع القمري (LRO)

هي مركبة فضائية تابعة لوكالة ناسا تدور حول القمر وتقوم بتصوير سطح القمر بشكل دقيق، يمكن تحديد موقعها وموقع القمر وارسال إشارات دقيقة لاي جزء من القمر.

 

ان رصد هلال صغير بزاوية ارتفاع 1.4 درجة، وبُعد زاوي 2.2 درجة عن الشمس، وإضاءة أقل من 0.1%، هو مهمة صعبة تتطلب تقنيات متطورة وتنسيقاً دقيقاً، يمكن للتلسكوبات الأرضية الكبيرة، المزودة بأنظمة بصرية تكيفية، أن توفر بيانات قيمة ولكنها تظل محدودة بسبب الظروف الجوية،  توفر التلسكوبات الفضائية رؤية أوضح، خالية من التشوهات الجوية، بينما يجعل تصميم تلسكوب شبيه بسوهو المتخصص منه أداة مثالية لرصد الأجسام القريبة جداً من الشمس، لكن بتضافر الجهود، تمكن هذه الأدوات علماء الفلك من توسيع حدود الرصد ودراسة حتى أكثر الظواهر الفلكية خفاءً.

 

من خلال الجمع بين التقنيات المتقدمة والذكاء الاصطناعي للنمذجة التنبؤية والبصريات التكيفية لتصحيح الصور انيا، يمكن لعلماء الفلك في المستقبل من تحسين جودة الرصد الفلكي للقمر، وخاصة بالنسبة للمراحل ذات الإضاءة المنخفضة جدا مثل الهلال ذو الارتفاع المنخفض والقريب من الشمس.

 

Comments

Popular posts from this blog

كيف نرى نجم سهيل؟