نجم سهيل والارصاد الجوية الحديثة
طلوع نجم سهيل في الاردن من منظور الأرصاد الجوية والمناخ
نعيش
هذه الأيام في موسم نجم سهيل (كانوبس) الشهير، بالاعتماد على الحسابات الفلكية في مدينة
عمان وضواحيها يشرق نجم سهيل الساعة 6:08 من صباح يوم الاثنين 28 اب (أغسطس)
2023 مع وقت شروق الشمس في نفس اليوم ، ويبقى متزامنا تقريبا مع شروق الشمس لليوم
التالي 29 آب/أغسطس، وبعد ذلك يبدأ بالشروق قبل الشمس ويزداد التبكير والارتفاع
فوق الافق، وتزيد احتمالات رؤيته بالعين المجردة بسهولة.
ان
رؤية شروق نجم سهيل في بداية تزامنه مع الشمس يحتاج الى راصد فلكي محترف وأدوات
رصدية وظروف رصدية معيارية، لكنه بعد أيام يصبح نجما لامعا في السماء الجنوبية
للمملكة ويراه الجميع ويبقى لامعا في السماء، حتى يبدأ مرة اخرى بالتزامن مع غروب
الشمس يوم 25 نيسان/أبريل 2024 الساعة 7:11 م تقريبا، وتصعب احتمالات رؤيته.
نجم
سهيل هو نجم جنوبي ومشهور في الجزء الجنوبي من كوكب الارض، ويعتبر ألمع نجم في
كوكبة القاعدة (كارينا) وثاني ألمع نجم ليلا في السماء بعد نجم الشعرى اليمانية
(سيروس) حيث يبلغ قدره حوالي -0.74 وتزيد ضيائيته عن 10 آلاف مرة من ضيائية
الشمس، وكتلته أكبر بثماني مرات من كتلة الشمس، وقطره أكبر بـ 70 مرة من قطر
الشمس، وهو مصدر للاشعة السينية، ويبتعد عن الشمس بسرعة 20 كيلومترا في الثانية.
وتشير
دراسات وقياسات القمر الصناعي "هيباركوس" التابع لوكالة الفضاء
الأوروبية والمخصص للقياسات الفلكية الدقيقة وتحديد مواقع الاجرام السماوية ان نجم
سهيل يبتعد عن الشمس حوالي 310 سنة ضوئية تقريبا، وتعتبر هذه المسافة بعيدة نسبيا
ولا علاقة لنجم سهيل بأحوال الطقس والمناخ على كوكب الأرض.
لقد
ساد عند الأقدمين "التقويم النجمي" وهو استخدام مطالع النجوم في تحديد
حالة الطقس وكان يستخدم بشكل واسع عند الشعوب القديمة، كما نستخدم الشهور الشمسية
حاليا، فمثلا عندما يأتي شهر يناير، يكون الطقس بارداً. لكن هذا التقويم لا نعرف
متى وأين ظهر، وكما يقول مؤرخ العلوم الفلكية والتقاويم "فاريسكو" أنه
ظهر في بدايات العصر العباسي، وهناك إشارات قوية تفيد انه ظهر في الجزيرة العربية.
وكما نعلم، فإن مطالع النجوم تختلف من منطقة جغرافية إلى أخرى فمثلا اختلاف زمن
طلوع سهيل في الأردن عن طلوعه في جنوب الجزيرة العربية او أي مكان اخر، لذا
قد لا نستطيع ان نعمم ونقول ان التقاويم النجمية هي تقاويم عالمية وصالحة لكل زمان
ومكان، لكن تبقى جزء من التاريخ والتراث.
لقد
اعتمد الأقدمون على ظهور بعض النجوم والأجرام السماوية في تحديد حالات الطقس
والمناخ وأبدعوا في تصوراتهم في ذلك الوقت، وكتبوا الاشعار والأمثال في وصف أحوال
الطقس وأصبحت من معتقدات الشعوب وكأنها احدى مصادر المعرفة المؤكدة، ونعذر اجدادنا
باتباع هذه الطرائق بسبب عدم وجود بدائل في اوقاتهم، وكانت هي السبيل الوحيد
لتقدير أوقات وحالات الطقس، وهذا تراث مهم ساد فترة من الزمن خلال التاريخ التطوري
للبشرية، واستخدمته كثير من الشعوب، لكن لابد من النظر بنافذة وميزان العلم لبعض
هذه القضايا.
رغم
ان العرب كانت تسبشر بطلوع نجم سهيل حيث كانوا يعتقدون ان بطلوعه ينتهي القيظ
والحر، وقد ذكر في الأمثال" إذا طلع سهيل برد الليل وخيف السيل ونزل على أم
الحوار الويل"، لكن هذا مؤشر تقريبي ولا يعتبر معيار حسب علم الفلك الحديث
المرتبط بتفاصيل ديناميكيات حركة الأرض ودورانها التي أثبتها العلم بشكل
دقيق، وكذلك نظريات الأرصاد الجوية الحديثة.
ان
تحديد الفصول فلكيا تتم من خلال دراسة حركات القمر-الارض –الشمس وبشكل أدق
"ميل محور دوران الأرض" الذي يعتد به بالنسبة لتحديد الفصول فلكيا،
فمثلا يحدث الاعتدال الخريفي الساعة 9:50 ص من 23 أيلول/ سبتمبر 2023 حسب توقيت
الاردن، وهي لحظة من الزمن تعبر الشمس ظاهريًا خط الاستواء الاستواء السماوي، وهي
تشرق من الشرق الجغرافي وتغرب من الغرب الجغرافي في ذلك اليوم. ويكون محور دوران
الأرض متعامدا على الخط الواصل بين مركز الشمس ومركز الأرض ولا يميل مقتربا أو
مبتعدا عن الشمس، وتتساوى تقريبا ساعات الليل والنهار في هذا اليوم، ويتساوى
تقريبًا توزيع الطاقة الإشعاعية للشمس بين الجزئين الشمالي والجنوبي للكرة الأرضية.
ومعدل الإشعاع الشمسي في عمان يوم الأحد 27 آب يساوي 7083 واط - ساعة لكل
متر مربع ويتناقص إلى 6608 واط - ساعة لكل متر مربع في يوم 10 أيلول/ سبتمبر
ويستمر في التناقص مرورًا بالاعتدال الخريفي ويستمر بالتناقص لغاية الانقلاب
الشتوي حيث يبلغ أدنى قيمة له، فالقضية ليس لها علاقة بطلوع نجم سهيل أو غيره.
ان
اتباع المنهجية العلمية في التفكير والمعرفة شي مهم ونشرها في المجتمع يثري ويساهم
في تطور المعرفة العلمية في المجتمعات وتصحيحها، بالتوازي مع إبراز أهمية التخصص
والمهنية، ونحاول إرساء ثقافة علمية مجتمعية ، فمثلا بدل ان نقول "إذا طلع
سهيل لا تامن السيل وتلمس التمر بالليل ويبرد آخر الليل"، او ظهر "نجم
ذابح" والذي يشير الى سعد الذابح والبرد الشديد والثلوج، علينا ان ننظر الى
خرائط الأقمار الصناعية وصور الغيوم والبيانات العلمية ومعدلات الإشعاع الشمسي
ومنحنياتها وهي متاحة والتي من خلالها يمكن ان تقدم لنا نتائج أكثر دقة من حالة
طلوع نجم ما في وقت ما، والتي قد تصيب من باب الصدفة أو قد تخطئ حسب الزمان
والمكان، مثلا حساب طلوع نجم سهيل قبل او بعد آلاف السنين، لا يكون في مثل هذه
الأيام وقد لا نرى ارتباطا وثيقا بانتهاء الصيف. وتبرز أهمية استعمال الوسائل
العلمية الحديثة في هذه المرحلة بالذات، التي نشهد فيها تغيرات مناخية متسارعة
بسبب ظاهرة الدفيئة والاحترار العالمي.
ان
الانقلابات والاعتدالات التي قدمها علم الفلك الحديث وحساباتها الدقيقة المعتمدة
على الحركة الديناميكية لمنظومة القمر-الأرض-الشمس، وأهمها ميل محور دوران الأرض
هي مؤشرات فلكية وعلمية يعتد بها بشكل عام، لكن الفيصل هو المنهجية العلمية
المبينة على قراءة درجات الحرارة والرطوبة وحالة الجو وأحوال الطقس والمناخ
والنماذج الرياضية والمحاكاة وأجهزة القياس الأرضية الدقيقة و محطاتها المنتشرة
وبيانات الاقمار الصناعية التراكمية والتي أصبحت حديثا تزداد لتشكل "البيانات
الضخمة" و"منظومات الذكاء الصناعي" و"علم
البيانات" والتي من خلالها قد نفهم حالة الطقس والمناخ بشكل شمولي ودقيق.
نعم
لتكريس المنهج العلمي في فهم حالة الطقس والمناخ المعقدة والتي تعتمد على متغيرات
كثيرة والتوجه نحو القياسات الدقيقة المختلفة المعتمدة على المنهجيات العلمية
ونماذجها، واستشارة أهل الاختصاص في مؤسسات الأرصاد الجوية ومعاهد ومراكز الطقس
والمناخ والمحطات الأرضية والفضائية المهتمة بعلوم الطقس والمناخ.
Comments
Post a Comment