HNY2026
أين
ستسهر في ليلة رأس السنة؟
إن أجملَ السهراتِ هي التي لم نسهرها بعد، وأجملَ الرقصاتِ هي التي لم نرقصها بعد، وأجملَ السيمفونياتِ هي التي لم نسمعها بعد.
أجملُ النجومِ والأجرامِ هي التي لم نرَها بعد، وأجملُ المذنباتِ هي التي لم نرصدها بعد، وأجملُ الاقتراناتِ هي التي لم تحدث بعد.
أجملُ عناقٍ للقمرِ مع "الأخوات السبع" لم يقع بعد، وأجملُ السماءِ ما لم تلمعْ نجمةٌ فيها لعيوننا بعد، وأجملُ السُّدُمِ ما ارتجفَ ضوؤُها خلف المراصدِ وسيكتملُ بعد.
أجملُ "نجوم السُّعود" هي التي لم تأتِ بعد، وأبعدُ المجراتِ هي التي لم يصلنا ضوؤُها بعد، وأشدُّ اقترابٍ للقمر في "الحضيض" لم يحدث بعد، وأقصى دنوٍّ لنا من الشمس لم يبلغ ذروته بعد.
أقدمُ الثقوبِ السوداء هي التي لم نكتشفها بعد، وأقدمُ الأكوانِ هي التي لم نعرفها بعد، وأجملُ صفحاتِ السماء هي التي لم نستمتع بمشاهدتها بعد.
أكبرُ البدورِ العملاقةِ لهذا العام لم تُزين سماءنا بعد، وأكثرُ الأقمارِ احمراراً لم تحمرَّ بعد، وأبهى زخاتِ الشهبِ لم تهطل بعد.
أكثرُ الغيومِ كثافةً الليلة هي التي لا نريدها، وأغمضُ ما يخبئه عام 2026 هو الذي لم يُفصح عنه بعد، وأخطرُ ما نطق به "ناظم حكمت" لم يصلنا بعد.. وإنَّ أجملَ ما أودُّ قولَه.. لم أقلْهُ بعد.
سهرة
في أعالي السماء
ليست أجمل السهرات دائماً تلك التي تضجُّ تحت أضواء المدن أو في صخب النوادي؛ بل هي تلك السهرة الصامتة في أعالي السماء التي تستحق الانتظار، سهرةٌ بطلها "رُسُل الدهور الكونية" وشهود الانفجار الأول، أولئك الذين تهاوت آثارهم مع غبار النجوم لتستقر في ذرات أجسادنا.
في ليلة رأس السنة هذا العام، ستجود علينا السماء بمشهدٍ مهيب: اقتران الثريا مع القمر. مشهدٌ يبدأ من غروب شمس الأربعاء ويمتد حتى فجر الخميس، ليؤنس ليلتنا كاملة. يمكنكم رصده بالعين المجردة في الظروف الصافية، وكأن السماء تقيم احتفالاً خاصاً بدخول العام الجديد.
"قِران حادي.. بردٌ بادي"
بهذه الكلمات كان أهل البادية يرصدون هذا المشهد منذ قرون؛ بعيون خبيرة وذاكرة فلكية فطرية. والقِران "الحادي" يعني اقتران القمر في طوره الحادي عشر مع عنقود "الثريا" اللامع، وهو في موروثهم إشارة حاسمة إلى اشتداد البرد الفعلي، تقويمٌ قديم لا يزال ينبض بحكمتهم، ويتطابق اليوم بدقة مذهلة مع الحسابات الفلكية الحديثة.
نحن
أبناء النجوم
ليلة رأس السنة لها وجوه كثيرة، لكن أعمقها ما يأتي من السماء، فهناك، بين القمر والثريا، موعدٌ قديم يتجدد؛ ليس مجرد لوحة جمالية، بل علامة موسمية استدلَّ بها الأقدمون على تحولات الفصول، وكأن السماء تفتح لهم تقويمها الخاص لترشدهم في حِلّهم وترحالهم.
إن طبيعتنا ليست مجرد مرعىً للأشجار والأنهار، بل هي امتداد صامت لسماء لا تنام. ففي كل ورقة تنبثق من غصن رطيب، ظلٌّ خافت لمجرّة تدور؛ وفي كل نهر يجري نحو البحر، صدىً بعيد لمدارات لا تحيد. تعلمُنا الطبيعة أن إيقاع الحياة على الأرض معقودٌ بنبض النجوم؛ فكما يولد الهلال خجولاً ثم يستدير بدراً، تنمو البذرة في التربة حتى تتم نضجها تحت عين الشمس.
وحين نرفع رؤوسنا نحو "درب التبانة" في ليلة ساجية، ندرك أن هذا السكون المهيب هو أصل الحكاية، وأننا أبناء غبار كوني قديم تجمّع يوماً في رحم الطبيعة، فصار شجراً وجسداً وروحاً وحُلماً.
فهل ستجعل سهرتك هذا العام بين النجوم؟
كل
عام وأنتم بخير

Comments
Post a Comment