تقويم نجمي

 

العلم هو الطريق لفهم حالات الطقس والمناخ

 

إن الاتجاه الذي انتشر مؤخرا انتشار النار في الهشيم في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي والمنصات والمنتديات المختلفة، والذي يروج الى علاقة طوالع وظهور بعض النجوم بحالة الطقس على كوكب الارض، والتي قد تكون بعيدة عنا سنوات ضوئية.

لقد اعتمد الأقدمون على ظهور بعض النجوم والأجرام السماوية في تحديد حالات الطقس والمناخ وأبدعوا في تصوراتهم في ذلك الوقت، وكتبوا الاشعار والأمثال في وصف أحوال الطقس وأصبحت من معتقدات الشعوب وكأنها احدى مصادر المعرفة المؤكدة، ونعذر اجدادنا باتباع هذه الطرائق بسبب عدم وجود بدائل في اوقاتهم، وكانت هي السبيل الوحيد لتقدير حالات الطقس، وهذا تراث مهم ساد فترة من الزمن خلال التاريخ التطوري للبشرية، واستخدمته كثير من الشعوب، لكن لابد من النظر بنافذة وميزان العلم لبعض هذه القضايا.

وحسب حواري مع الصديق هشام القرعان انه من الممكن القول إن اتباع الاقدمين لمطالع النجوم في تحديد حالة الطقس يمكن النظر إليه أنه "تقويم نجمي" استخدموه كما نستخدم الشهور الشمسية، فمثلا عندما يأتي شهر يناير، يكون الطقس بارداً.

المشكلة في هذا التقويم أننا لا نعرف متى ظهر وأين ظهر. تبعا "لفاريسكو" فإنه ظهر في بدايات العصر العباسي، ثم الحق بأنه ظهر في الجزيرة العربية. وكما نعلم، فإن مطالع النجوم تختلف من منطقة جغرافية إلى أخرى فمثلا عن اختلاف طلوع سهيل في الأردن عن طلوعه في مكة او أي مكان اخر.

ان اتباع المنهجية العلمية في التفكير والمعرفة شي مهم ونشرها في المجتمع يثري ويساهم في تطور المعرفة العلمية في المجتمعات وتصحيحها، بالتوازي مع إبراز أهمية التخصص والمهنية، ونحاول إرساء ثقافة علمية مجتمعية ، فمثلا بدل ان نقول "إذا طلع سهيل لا تامن السيل وتلمس التمر بالليل ويبرد آخر الليل"، او ظهر "نجم ذابح" والذي يشير الى سعد الذابح  والبرد الشديد والثلوج، ننظر الى خرائط الاقمار الصناعية وصور الغيوم والبيانات العلمية ومعدلات الإشعاع الشمسي ومنحنياتها وهي متاحة للباحثين والمختصين، التي من خلالها يمكن ان تقدم لنا نتائج أكثر دقة من حالة طلوع نجم ما في وقت ما، والتي قد تصيب من باب الصدفة أو قد تخطئ حسب الزمان والمكان.  

ان الانقلابات والاعتدالات التي قدمها علم الفلك الحديث وحساباتها الدقيقة المعتمدة على الحركة الديناميكية لمنظومة القمر-الأرض-الشمس، وأهمها ميل محور دوران الأرض هي مؤشرات فلكية يعتد بها بشكل عام، لكن الفيصل هو المنهجية العلمية المبينة على قراءة درجات الحرارة والرطوبة وحالة الجو وأحوال الطقس والمناخ والنماذج الرياضية والمحاكاة وأجهزة القياس الأرضية الدقيقة و محطاتها المنتشرة وبيانات الاقمار الصناعية التراكمية والتي أصبحت حديثا تزداد لتشكل "البيانات الضخمة" و"منظومات الذكاء الصناعي"  و "علم البيانات" والتي من خلالها قد نفهم حالة الطقس والمناخ بشكل شمولي ودقيق.

نعم لتكريس المنهج العلمي في فهم حالة الطقس والمناخ المعقدة والتي تعتمد على متغيرات كثيرة والتوجه نحو القياسات الدقيقة المختلفة المعتمدة على المنهجيات العلمية ونماذجها، واستشارة أهل الاختصاص في مؤسسات الأرصاد الجوية ومعاهد ومراكز الطقس والمناخ والمحطات الأرضية والفضائية المهتمة بعلوم الطقس والمناخ. 

 

 

 

 

Comments

Popular posts from this blog

كيف نرى نجم سهيل؟

الاستطالة الزاوية السطحية بين كوكب الزهرة ومذنب تسوتشينشان-أطلس